وصل الإنترنت إلى منازلنا وخاصّةً إلى غرف الأطفال. وبفضل هذه الوسيلة السحريّة، تواجدت الصور والأفلام الإباحيّة أمام مُستخدمي الإنترنت مهما كانت أعمارهم.

يتعرض الأطفال لمشاهدة مواد إباحية على درجات مختلفة من الخطر تبدأ بالصور الكاشفة للعورة، وتنتهي إلى أفعال جنسية فاضحة بشدة، وهنا يستقبل الأطفال رسالة شديدة الخطورة من تجار الجنس الذين يروجون لمقولة: أن الجنس بلا مسؤولية شيء مقبول ومرغوب فيه.

وبما أن المواد البصرية الإباحية تشجع على التعبير الجنسي بدون مسؤولية فإنها تعرِّض صحة الأطفال للخطر. وهنا يبرز دورنا كأهل ومربّين أن نكون يقظين وأن نُراقبهم مراقبة ذكية.

اقرأ: د. وليد ابودهن: كل ما تريدون معرفته عن مرض فيبروميالغيا

أضرار الإباحية على الأطفال:

مشاهدة المواد الإباحية يدفع الأطفال إلى سلوكيات جنسية منحرفة ضد الأطفال الآخرين.

غالباً ما يقلِّد الأطفال ما يرونه أو يسمعونه أو يقرأونه. وتبيِّن الدراسات أن مشاهدة المواد الإباحية يمكن أن تدفع الأطفال إلى سلوكيات جنسية منحرفة ضد الأطفال السذّج والذين هم أصغر منهم سناً.

كما إن أي نشاط جنسي في مرحلة ما قبل النضوج يؤدي بالأطفال غالباً إلى احتمالين هما: اكتساب الخبرة، والتعرض لمثل هذا النشاط، وهذا يعني أن الطفل المنحرف جنسياً ربما يكون قد تعرَّض للتحرش الجنسي أو تعرَّض لمشاهدة الجنس عبر المواد الإباحية.

اقرأ: د. وليد ابودهن: ما علاقة قلة النوم بالبرد الدائم؟

وفي دراسة أخرى أجريت على طلاب في المدارس الثانوية الأمريكية تبيَّن أن 91% من الذكور و81% من الإناث شاهدوا موادّاً إباحية شديدة الإنحراف، وأن ما يزيد عن 66% من الذكور و40% من الإناث ينتظرون محاولة ممارسة السلوك الجنسي الذي شاهدوه، و31% من الذكور و18% من الإناث اعترفوا بأنهم مارسوا فعلاً بعض ما شاهدوه في المواد الإباحية خلال أيام قليلة من هذه المشاهدة.

مشاهدة المواد الإباحية تعمل على تشكيل اتجاهات وقيم الأطفال:

معظم الآباء المتمسكين بالقيم العالية الخاصة بالحب والجنس والزواج يحرصون على نقل هذه القيم إلى أبنائهم، لكن المؤسف أن الأفلام الإباحية تربي أطفالهم على قضايا حياتية مختلفة. حتى الإعلانات التجارية التي تروِّج لمنتَج على حساب منتَج آخر تكون الإباحية عاملاً هاماً فيها مما يعمل على تشكيل قيم الأطفال واتجاهاتهم ومن ثَمَّ سلوكياتهم.

الصور الفوتوغرافية والفيديو والمجلات والألعاب الخيالية والمواد الإباحية على الإنترنت التي تصور الاغتصاب وتعمل على تجريد المرأة من إنسانيتها في مناظر جنسية، تشكل أداةً قوية تعمل على إحداث تغييرات مدمرة في اتجاهات الأطفال.

وأكدت الدراسات المتعددة، أن التعرض المكثف نسبياً، للأشكال المختلفة من المواد الإباحية، له تأثير مأساوي على النظرة إلى المرأة والعلاقات الجنسية بصفة عامة. وقد توصلت هذه الدراسات إلى نتيجة هامة هي أن الأطفال الذكور حينما يتعرضون لمدة ستة أسابيع على الأقل لمواد إباحية فاضحة تنمو لديهم الصفات التالية:

اقرأ: د. وليد ابودهن: ما هي أعراض الحكة بدون طفح جلدي؟

– سلوكيات جنسية شديدة القسوة بالنسبة للمرأة، وإدراكات مشوهة عن النشاط الجنسي.
– لا ينظرون إلى الإغتصاب على أنه اعتداء إجرامي، بل لا يعدّونه جريمة بالكلية.
– الشهية نحو سلوك جنسي أكثر انحرافاً وأكثر شذوذًا وأكثر عنفًا كما يرونه في المواد الإباحية، ولا يصبح الجنس العادي ذا قيمة عندهم.
– يفقدون الثقة بالزواج بوصفه مؤسسة حيوية ودائمة. كما ينظرون إلى العلاقات مع نساء غير زوجاتهم بوصفها أمراً عادياً وطبيعياً.

دماغ الطفل في مرحلة هامة من مراحل نموه يكون أشبه بالقرص اللاسلكي الصلب الذي يمكن برمجته وفْقاً لتوجيهات جنسية معينة. فإذا تمت هذه البرمجة على أساس معايير واتجاهات جنسية صحيحة، فإنها تكون الأساس لما يحتمل أن ينجذب إليه ويثار به الطفل مستقبلاً، بمعنى: أنه تنمو لديه اتجاهات ومعايير جنسية صحيحة، وعلى النقيض من ذلك، فإنه إذا تعرَّض للمواد الإباحية فقد ينطبع الإنحراف الجنسي على هذا القرص الصلب ويصبح جزءاً دائماً في توجهه الجنسي.

اقرأ: د. وليد ابودهن: طرق لتحسين الذاكرة وتجنب النسيان

تعرٍّ فاحش

عُريّ الجسد بحدّ ذاته ليس فاسقاً، لا بل سليماً وصحيّاً، إنْ كان هدفه السماح للطفل بالتعرّف على نفسه وما سيصير عليه عند بلوغ سنّ النضوج. إلاّ أنّ الجوّ الذي يُهيّئ ويشجّع على التعرّي هو أمرٌ آخر. فالجنس هو بالتأكيد مجال الحياة الإنسانيّة الأكثر أهميّة، كونه يؤثّر على الحياة الإجتماعيّة للفرد وعلى استمرار الجنس البشري. كلّ المراهقين لجأوا إلى قواميس اللغة بحثاً عن الكلمات ومعانيها: الجنس، القضيب، الثدي وحتّى الجنس الفموي. وجدوا أجوبةً وصوراً أشبعت فضولهم وأعطت معنًى لتساؤلاتهم. اليوم، مع التطوّر التكنولوجيّ ومحرّكات البحث الإلكترونيّة، سوف تتفاجأ بوفرة الصور الإباحيّة التي تظهر على شاشتك، وكلٌّ منها أكثر فحشاً من الأخرى، وغالباً ما تكون هذه الصفحات الرئيسيّة والترحيبيّة لهذه المواقع.

تُظهر الدراسات أنّ ولداً من اثنيْن شاهد فيلماً إباحيّاً في عمر الـ11 سنة. والكثير منهم شاهدوا هذه الأفلام في سنٍّ أصغر، بين الـ 8 و9 سنوات!

اقرأ: د. وليد ابودهن: أماكن وأشياء تتهدّدها البكتيريا

لا شكّ في أنّ هذه الهفوات الجنسيّة في المراهقة تعود جذورها إلى تسخيف الحياة الجنسيّة، التي يَسهُل التخلّص منها، حيث يُصبح الآخر وسيلة مُتعة مباشرة غير مستثمرة في علاقةٍ جديّة، كما يُصبح فارغاً ما إنْ ينتهي دور الإمتاع. فإنّها تجعل من الحياة الجنسيّة عمليّة ميكانيكيّة بحتة، حيث لا مكان للإرتباط العاطفي. هذه الأفلام الإباحيّة كناية عن مشاهد سيطرة بين الشريكيْن، بحيث أنّ كلاً منهما يكون تحت تأثير نبضات لا تقاوم تبرّر كلّ الأساليب لبلوغ الذروة ناهيك عن العناوين الفضفاضة التي تُعطى لكلّ فيلم أو صورة.

وشخصياً فإني أشدد على أنّ هناك اعتداءً جنسيّاً تجاه طفل في كلّ مرّةٍ نُعرّضه فيها لمضمونٍ جنسي، إنْ يكن صورة، أو كلاماً، أو حركة لا تتوافق مع احتياجات عُمره. ودور الوالديْن يبدو أساسيّاً هنا، لأنه بتصرّفهما المُحبّ والمحترم تجاه بعضهما البعض، يكونان القدوة لأطفالهما. ففي سنّ السابعة، لا يعود الأولاد يتمثّلون بأهلهم فقط، بل بالأولاد الأكبر منهم سناً بقليل، ويحاولون تقليدهم ليكبروا.

اقرأ: د. وليد ابودهن: الطريقة المثالية للاستحمام الصحي

هذه النماذج قد تكون خطرة، حيث المخاطرة سائدة في مثل هذه السنّ، التي يُحاول فيها الأطفال التباهي أمام رفاقهم عن طريق المُزايدة بتصرّفاتهم. فهناك أطفال، في سنّ مبكّرة، يستوحون الثقافة الإباحيّة من خلال تزويد هواتفهم المحمولة بصور من الإنترنت، ويُمرّرونها لأصدقائهم. إنّها طريقة جديدة في اللعب واكتشاف الذات، وأحياناً، ولسوء الحظ، تُساعد على الوحشيّة وإذلال النفس.

كيف نحمي أطفالنا؟

مكانة الوالديْن كمراقبيْن للواقع هي ضرورة مُلّحة. فكلمتهم أساسيّة، وفي إمكانهم أن يقولوا لأولادهم: “لا أريدك أن تشاهد هذا، لأنّه يُعطيك صورة سيئة عن الحياة الجنسيّة، وهذا ليس جيّداً لبناء حياتك. ليس بهذه الطريقة يُحبّ الرجل والمرأة بعضهما البعض”.

إنّه الوقت المناسب أيضاً للتشديد على أنّ هذه الصورة عن الشريك والمُركّزة فقط على التمتّع، تُهيّن دور الرجل والمرأة معاً. أكثر من ذلك، يجب أن يكون الحاسوب العائليّ مُتصلاً بمركز مراقبة أبويّ Parental Guidance PG-WR يمنع الدخول إلى بعض المواقع.

اقرأ: د. وليد ابودهن: تأثير الأمراض العضوية على الرغبة الجنسية

والمكان الأفضل لوضع الحاسوب هو غرفة مُشتركة تُجنّب الولد البقاء وحيداً أمام الشاشة بعيداً عن رقابة شخص ناضج يُشاهد كلّ ما يمرّ على الشاشة. لهذا السبب، ليس مناسباً لأيّ ولد امتلاك جهاز حاسوب خاصّ به في غرفته. ويجب أيضاً ألا نتردّد في إعطاء الرأي المناسب عندما يُسخّف التلفزيون هذه المواضيع الهامة.

أما بالنسبة إلى المراهقين كلّ مراهق لديه فضول يدفعه إلى مشاهدة بعض الصور الإباحيّة، كما كان يحدث مع المراهقين في ما مضى، عندما كانوا يتصفّحون المجلات الجنسيّة. الخطر يكمُن بشكلٍ خاص في أنّ هذا المراهق سيتّخذ مثالاً له هذا النوع من العلاقة في حياته الجنسيّة المستقبليّة، كأنّ يعتقد مثلاً أنّ الجميع لا يفكّر إلا بالقيام بعلاقات جنسيّة ليل نهار، وأنّ الجنس يقوم فقط على العنف والاحتقار. فالحنان والعاطفة والنعومة لا تظهر أبداً.

اقرأ: د. وليد ابودهن: تأثير الكحول على شدة التصادم

ما هو دورنا كأهل؟

– يجب ألا نمنع الإنترنت عن المراهق بُغية منعه عن رفاقه.
– شرح بأنّ الأفلام الإباحيّة لا تمُتّ إلى الحقيقة بصلة.
– إظهار أنّ العاطفة والحنان يطغيان على العلاقات الإنسانيّة قبل أيّ شيء آخر.

أما بالنسبة للبالغين وثأثير الاباحية على دماغهم والادمان الذي اصبح سبباً أساسياً في هدم العلاقات الزوجية والطلاق، سنحدثكم عنه في المقال القادم.

د. وليد ابودهن

Copy URL to clipboard


























شارك الموضوع

Copy URL to clipboard

ابلغ عن خطأ

لقد تم إرسال رسالتك بنجاح

نسخ إلى الحافظة

أدخل رقم الهاتف أو بريدك الإلكتروني للإطلاع على آخر الأخبار